البث المباشر

الجمعة، 12 ديسمبر 2014

أفكار مبعثرة 2

أفكار مبعثرة ... 2
د. سُمية عيد

أشياء كثيرة تمر كصور يشوبها التشويش والغموض أمام مساحات التفكير لدي، فتُثير اهتمامي، ومن أيامٍ خلت كانت التربية شيئاً من الأشياء المثيرة للجدل والاهتمام، فهناك من يُؤمن بالتضييق على طالب العلم كي يلتحق بحضارة لا تتمهل؛ فهم يسعون لتربية الفرد من أجل خدمة مجتمعه، وهناك من يعارض ذلك على أساس إنه من الظلم إخضاع الفرد لقواعد  ليست ملكه، فهم يروْن أنها ليست تربية بل تشويهاً فالتربية لديهم هي احترام الشيء المتأصل في الفرد وتنميته.
من هنا، يُمكن حصر الجدل في مساريْن هما:
v    المسار الأول: أن نربي الطفل من أجل خدمة مجتمعه.
v    المسار الثاني: أن نربي الطفل من أجل خدمة ذاته.
ولتوضيح الصورة التي يشوبها التشويش والغموض، فإن المسار الأول أو بمعنى آخر الغاية الأولى للتربية تدعم تربية ضارة قد تضر ولا تنفع، فإذا ما كانت غاية التربية لدينا ليكون الفرد مواطناً صالحاً في مجتمعة، فإننا بذلك نسعى لإدماج الفرد بالمجتمع بحيث يعمل في ذات الوقت من أجل غيره، وننسى إن كل مجتمع ينطوي على أمور كثيرة منها: التعصب، العنصرية، الأنانية وما شابه ذلك،  وكأن لسان حال هذة التربية يناشد بأن نكيف الفرد مع مجتمع عنصري ....وهكذا، وإذا ما تمت تربية الفرد على ذلك فإننا نهيؤه لطبقة واحدة ومجتمعٍ واحد ونتركه مجرداً من أن يكون صالحاً في مجتمعات  وبيئات أخرى، وكذلك إذا ما هيأنا الفرد للاندماج في مجتمع اليوم فحتماً سيكون غريباً في مجتمع الغد.
أما بالنسبة للمسارالثاني، فإنه يدعم تربية فاقدة للتوازن، فإذا ما كانت غاية التربية لدينا إصلاح الفرد لذاته بمعنى أن تسعى جامعاتنا لأن تخرج المهندسين والأطباء والمعلمين، وما شابه ذلك ، فمن حق المجتمع أن يسألهم عن إمكانية اشتغالهم بهذه المهن والعلوم، ومن حق المجتمع أيضاً أن يطلب من الجامعات أن تنقل لهؤلاء الخريجين القيم التي لا يُمكن للحياة أن تكون بدونها.
من هنا فنحن أمام صورة مشوشة غامضة للتربية إذا ما بقينا على ما نحن عليه، لكننا إذا تخلّينا عن تربية الفرد من أجل أن يبقى فرداً عاملاً، وإذا ما تخلّينا عن تربيته لنجعل منه مواطناً صالحاً، وبدأنا بتربية الفرد لنجعل منه إنساناً ، بحيث يكون قادراً على التعلم والتفهم والتعرف والتبادل والاتحاد مع كل ما هو إنساني، من منطلق إن القوانين العلمية والقيم الأخلاقية والآثار الجمالية ليست فردية كما إنها ليست اجتماعية ، وإنما هي إنسانية ، وإذا ما تم التعبير عنها بلغةٍ قابلة للترجمة كلغتنا العربية فسوف يفهمها كل إنسان.
فاللغة هي السبيل إلى التربية الصحيحة ، دعونا نرجع للغتنا العربية ونربي أبناءنا ليكونوا إنسانيين بلغتهم وليس بلغة غريهم ، فاللغة إذا ما فارقت عفوية الطفولة فارقت أيضاً القوانين الاجتماعية، انظروا إلى العلماء الفرنسيين واليابانيين والألمان وغيرهم ، كل أبدع  في مجاله بلغته وليس بلغة غيرة ، لطالما أن لغته قابلة للترجمة فلا بأس في ذلك.

دعونا نفكر في قاعدة تربوية شاملة يستطيع  طالب العلم أن يكمل طبيعته في ثقافة إنسانية، إذ يستطيع الفرد أن يكون مهندساً أو طبيباً أو معلماً ، لكنه لا ينتهي في صيرورته إنساناً .